حبيبي" ضغط الدم
تحية طيبة وبعد..
قد تستغرب أن أسميك "حبيبي"
لا تستغرب أو تعجب يا عزيزي، فمنذ سنوات أربع تقريبا حللت ضيفا عليَّ رغم أنفي، ولم تكتف بذلك بل سريت في دمي، وتربعت عرش قلبي، تماما كما يفعل الهوى في قلوب العاشقين، فيسلبهم كل إرادة.
الفرق بينك وبين الهوى هو أن الهوى يمتلك القلوب رضى وموافقة من العاشق، بل حبا وكرامة، بينما أنت تمتلك القلوب غصبا وعنوة، دون أن يستطيع حبيبك حَيْلة ولا سبيلا.
وليتك اكتفيت بهذه الضيافة، بل أجبرتني أن أطاوعك، وألا أخالفك مهما كانت الظروف والأسباب، فكنت أنت الآمر الناهي في كل شيء في حياتي، في انفعالاتي، في طعامي، في وزني، في رياضتي، وفوق كل ذلك ألزمتني بدواء يومي لا ينبغي أن أهمله أو أنساه، وطالبتني بقياسك بشكل دوري، مع إجراء تخطيط للقلب، وفحوصات كل مدة على نسبة السكر، وعلى الدم، ، بل وصلت إلى فحص قاع العين يا نور العين والقلب.
كل ذلك وأنا مضطر أن أقول سمعا وطاعة، لأنني إن لم أفعل، أرسلت لي إنذارا أوليا شديد اللهجة، هو الصداع الذي يجعلني أتمنى لو نطحت الجدار كي أتخلص منه، ثم -إن أردتُّ الاستمرار في العصيان- أتحفتني بسيل من العلل والأوجاع مع ضعف في التركيز، وشعور بالغثيان، وإذا استمر اعتراضي عليك أثقلتَ حركتي، وربطت لساني فغدا شبه عاجز عن الكلام، ومضيت إلى الكلى لتصيبها بالقصور، ومضيت في غيك لتصل بي إلى تصلُّب الكلى "Nephrosclerosis"، واعتلال شبكية العين "Hypertinsive Retinopathy"، وسكتة الدماغ "Stroke"، وجلطة القلب "Myocardial Infarction"، عافاني الله وجميع الناس من ذلك.
أعرفت الآن لماذا أسميتك "حبيبي"؟
أصدقك القول يا "حبيبي" إنني لم أكن أعلم عنك شيئا إلا ما يتناثر على الألسنة هنا وهناك، ولكن حلولك الدائم ضيفا عليَّ أجبرني على أن أبحث وأستقصي عن تاريخك، فعلمت أنَّك تنتج عن التفاعل بين نتاج القلب (كمية الدم التي يضخها القلب في الدقيقة الواحدة) والمقاومة الطرفية للأوعية الدموية، وتتكون قراءة ضغط الدم من الضغط الانقباضي (ضغط الدم حين انقباض عضلة القلب Systolic Pressure) وهي القراءة العلوية، والضغط الانبساطي (ضغط الدم حين ارتخاء عضلة القلب Diastolic Pressure) وهي القراءة السفلية، وضغط الدم الطبيعي بالنسبة للبالغين هو غالبا 120\80 "mmhg مليميتر زئبق"، ويعتبر الشخص مصابا بارتفاع ضغط الدم حينما تكون قراءة ضغط الدم أعلى من 130\90 "mmhg مليميتر زئبق" باستمرار.
كما وصلتني عنك معلوماتٌ تؤكد أنَّك نوعان:
الأول: النوع الابتدائي أو الأساسي "Essential Hypertension"، وهو الأكثر انتشاراً وشيوعاً في العالم، كما أنه لا يُعرف سبب معين لحدوثه.
الثاني: النوع الثانوي "Secondary Hypertension"، وهذا النوع يحدث بسبب مرض يؤدي إلى ارتفاع في ضغط الدم مثل أمراض الكلى أو الشريان الأورطي أو أمراض بعض الغدد الصماء في الجسم، وبالتالي فإن علاج هذه الأمراض يصاحبه نزول في ضغط دم المريض وهذه الحالات لا تتعدى 1% من حالات ارتفاع ضغط الدم.
وبما أنني لم أكن من النوع الثاني، كان عليَّ أن أبحث عن العوامل التي جعلتك تختارني، فوجدت أنك تعشق مرضاك لهذه العوامل:
1- التقدم في السن.
2- البدانة.
3- الكسل وعدم الحركة.
4- التدخين وشرب الكحوليات.
5- تناول الأطعمة الغنية بالأملاح والدهون.
6- الإصابة بالأمراض التالية:
* داء السكري.
* ارتفاع الكوليسترول.
* السكتة القلبية.
* أمراض الكلى.
ووجدت أن تشريفك لي كان غالبا عبر الوراثة، فلست كهلا، ولا بدينا، ولا كسولا، ولم تعرف التدخين أو الكحوليات حياتي، ولم أصادق أملاح الطعام أو الدهون، خاصة أنني نشأت في بيت ربَّاه قد ابتُليا بك، فكان طعامهما يُغضِب الملح دائما، ولم أصب –ولله الحمد– بأيٍّ من الأمراض السابقة.
وبما أنني لا أعرف الاستسلام، فلأصارحك أنني حاولت علاجك، فقمت -بناء على وصف الأطباء- بالتالي:
1- مراقبة وزني، والحرص على ألا يزيد عن الحد الطبيعي.
2- ممارسة الرياضة بانتظام.
3- رغم أنني لا أتناول الأطعمة الغنية بالأملاح والدهون، فإنني زدت احتياطا وابتعادًا عنها.
4- الابتعاد قدر الإمكان عن التوتر والغضب.
ولكنني أعترف لك بأن محاولاتي باءت كلها بالفشل، فاتجهت إليك راجيا العفو، لكنك لم ترحم، فلم أجد أمامي إلا طريق الدواء، فوصف لي الأطباء الأدوية الخاصة بك.
وكي أزداد معرفة بك، قرأت حول هذه الأدوية، فوجدت أنها تنحصر في التصنيف التالي:
- مُثبطات أنزيم تحويل الأنجيوتنسين "ACE Inhibitors"، وهو الأنزيم الذي يحول أنجيوتنسين 1 إلى أنجيوتنسين 2، والذي بدوره يؤدي إلى تقلص الشرايين، وهو ما يزيد من المقاومة الطرفية للدم، ومن ثَمَّ ارتفاع ضغط الدم, والعقار يمنع هذا التحول، ومن ثَمَّ ينخفض ضغط الدم.
- ضوادّ أنجيوتنسين 2 "AngiotensinII Antagonists"، وهي تعمل بسد مستقبلات الأنجيوتنسين على الأنسجة، ومن ثَمَّ منعه من تقليص جدار الشرايين الطرفية التي إذا تقلصت ترفع ضغط الدم.
- مُحصرات البيتا "Beta Blockers"، وهي تعمل بسد مستقبلات البيتا على القلب، وهو ما يؤدي إلى خفض نبضات القلب، ومن ثَمَّ نتاج القلب، وكذلك تقلل من إفراز الكلى للرينين "Renin" الذي يساعد في إنتاج الأنجيوتنسين، ولها تأثير يخفف من حدة التوتر كذلك.
- ضوادّ الكالسيوم "Calcium Antagonists"، وهي تعمل بسد قنوات الكالسيوم للعضلات الناعمة في جدار الأوردة، وهو ما يؤدي إلى استرخاء جدرانها، وبالتالي تقلل من المقاومة الطرفية للدم، ومن ثَمَّ ضغط الدم.
- مدرات البول "Diuretics"، وهي تعمل بتقليل امتصاص الكلى للملح، ومن ثَمَّ التخلص من السوائل في الجسم، وتقليل نتاج القلب، وهو ما يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم.
ولأن رمضان -يا حبيبي- أقبل فكان لزامًا عليَّ أن أزداد بك فقهًا وعلمًا، وأن أنظر في علاقتك بالصيام، والحمد لله تعالى أن وجدتك بي رحيمًا إذ لم تمنعني من الصيام، بشرط أن أهتم بصيامي وطعامي وسلوكياتي، وأن أستمع إلى نصائح الشهر الكريم لمن هم أصدقاؤك وأحباؤك مثلي.
واكتشفت أن رمضان بصيامه، وبأكله الصحيح المعتدل، وبأخلاقه وسلوكياته، وبالتغييرات الفسيولوجية التي تحدث للصائم، يفيد في التعامل معك يا ضغطي العزيز من ثلاث جهات:
الجهة الأولى: تخليص البدن من المواد الضارة كالدهون، وانخفاض معدل الكولسترول، وإنقاص الوزن، وهكذا كله يخفض ضغط الدم بصورة ملحوظة.
كما أن الرياضة البدنية من صلاة التراويح والتهجد وغيرها تفيد في خفض ضغط الدم كذلك، إذ قدَّر العلماء أن المصلي لصلاة التراويح يصرف 200 سعرًا حراريًّا خلال الصلاة.
الجهة الثانية: التزام الهدوء يخفض ضغط الدم: إذ أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين قائلا: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم" متفق عليه.
إن الانفعال والتوتر يزيدان من إفراز الأدرينالين في الدم، والأدرينالين يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، لذلك كانت وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- للصائم بعدم الانفعال والغضب حتى يحفظ المسلم نفسه وصحته، وحتى يحفظ له -كذلك- احترامه وحسن خلقه، وهو السلوك الذي يتربى عليه المسلم في رمضان، ثم يغدو خلقه طوال حياته.
الجهة الثالثة: لاحظ العلماء أن عضلات الصائم تفقد كثيرًا من الصوديوم، وكذلك شأن كريات الدم الحمراء، وهو ما قد يكون له مردود على اعتدال ضغط الدم، كما تؤكد بعض النظريات العملية.
هذا عن ارتباطك بهذا الشهر الفضيل، أما النصائح التي توجَّه لأمثالي من أتباعك خلال شهر رمضان فهي:
1- الإكثار من تناول السوائل في فترة الإفطار وحتى الإمساك لتجنب الجفاف في اليوم التالي وما قد يتبعه من مضاعفات.
2- تجنب السوائل التي تحوي نسبة عالية من الدسم أو من مادة الكافيين (القهوة، المشروبات الغازية،...).
3- تجنب الدهون، والابتعاد عن الإفراط في النشويات، حتى لا يؤدي ذلك إلى ارتفاع الكوليسترول في الدم، والكوليسترول له ما له من صداقةٍ معك، وبالتالي مشاكل مع أمثالي من حملتك.
4- التزام أخذ الدواء بانتظام، وتوجد عدة أنواع من الأدوية المستخدمة في علاج الضغط ذات المفعول الطويل، حيث تستخدم مرة واحدة أو مرتين كحد أعلى خلال اليوم، والتي يمكن تناولها مساء، ولا تتعارض مع الصيام.
وختاما، "حبيبي" ضغط الدم،
ها قد صيرتني بك خبيرا، بأنواعك وأعراضك وأدوائك بصيرا، وما ذاك إلا لأرضيك عني، فلا أخالفك فتضرني.
قد جعلتك حبيبي؛ لأن عداوتك تقتلني، ولكنني ما زلت خائفا منك، لا لشيءٍ إلا لأني لم أستطع الوصول إلى حكمتك في الحياة، وأخوف ما أخافه أن تكون: "ومن الحب ما قتل"!!
فأغدو قتيلك في الحالين.. دمت سالما.