الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وعلى ءاله وصحبه ومن والاه. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا.
اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل ووفّقنا إلى كل خير يا ذا الجلال والإكرام.
أما بعد، فقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم: 'إن الله جميل يحب الجمال'. هذا الحديث يحثّنا على التخلّق بالأخلاق الحميدة وهذا من الأحاديث المتشابهة التي نرجعها إلى الآية: 'ليس كمثله شيء' فلا يجوز اعتقاد أن الله له شكل أو هيئة أو صورة لأن هنا معنى أن الله جميل أي جميل الصفات، معناه صفاته تدلّ على الكمال اللائق به عزّ وجلّ، هذا على تفسير بعض العلماء. قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى}، الحسنى هنا معناها الدالّة على الكمال اللائق به عزّ وجلّ.
وبعض العلماء قالوا إن الله جميل أي محسنٌ، فأوّلَ الفريق الأول معنى جميل بحق الله إلى جميل الصفات وهذا من أسلوب اللغة العربيّة، وأوّل الفريق الثاني معنى جميل بمعنى محسنٌ. فكلا التفسيرين موافق للقرءان. أما الذي يفسّرها بأن الله له شكل وأن هذا الشكل جميل أو أن الله له هيئة أو صورة فهذا ما عرف الله تبارك وتعالى، لأن هذا فيه تشبيه لله بخلقه. وليس معنى 'إن الله جميل يحب الجمال' أي أن كلّ إنسان جميل فالله يحبّه. لأنه ليس كل إنسان جميل الصورة تكون حاله حسنة عند الله. فكم من ذميم الوجه وهو في أعلى عليّين وكم من حسن الوجه وهو في أسفل السافلين. كم من إنسان ذميم الخلقة وهو من الصالحين. هذا سيدنا عطاء إبن أبي رباح رضي الله عنه وأرضاه كان أسود اللون وكان ذميم الخلقة فقالت له أمّه عليك بعلم الدين. وفعلاً بدأ يتعلّم حتى قال فيه سيدنا أبو حنيفة رضي الله عنه وأرضاه: 'ما رأيت أفقه من عطاء'. فلم يرى سيدّنا أبو حنيفة أفقه من عطاء في العلم. كان عطاء من التابعين وكان سيدنا عطاء إبن أبي رباح مجتهد رضي الله عنه. وكان الخلفاء في زمنه يرسلوا أولادهم ليتعلّموا عند عطاء مع أنه من حيث الخلقة لم يكن جميل الصورة ومع ذلك العلم جعل الناس تأتي وتشدّ الرحال إليه رضي الله عنه وأرضاه. والتزامه وورعه وخوفه من الله وتقواه هذا ما رفعه عند الله تبارك وتعالى. فليس العبرة بجمال الصورة كما قال أحدهم:
جمال الوجه مع قبح النفوس ** كقنديـل عـلـى قـبـر مجـوسـي
فالمطلوب منا أن يكون لدينا الصفات الجميلة والأخلاق الجميلة. هذا معنى إن الله يحبّ الجمال. فمن اعتقد أن الله يحب كل شخص جميل الصورة هذا مخالف للإسلام وعليه التشهّد والعياذ بالله للدخول إلى الإسلام. فبعض الناس يفهم أن الله يحب جميل الصورة. الله تعالى لا يحاسب الناس على جمال الهيئة والشكل وإنما على العمل.
فالله يحبّ من عبده أن يتخلّق بالأخلاق الحميدة ومنها الصلاة، الصيام، التزام الخير، كظم الغيظ، العفو عن الناس، الصبر، مساعدة الغير، رفع الأذى عن الطريق إلى ما هنالك. فالصفات الحميدة كثيرة حثّنا عليها الإسلام وشجّعنا عليها القرءان وحثّنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلّم. ومن الصفات الحميدة التي يحبّها الله تعالى من عبده أن تحسن إلى من أحسن إليك وإلى من أساء إليك أيضاً. فالإحسان إلى من أساء إليك هو من حسن الخلق.
يُروى عن سيّدنا النوويّ رحمه الله أنه لما كان يصلّي سُرِق حذاؤه، فلحق بالسارق وهو يقول وَهَبتُكَ قلْ قَبِلْتُ. لحق بالسارق لا لضربه ولا لأخذ الحذاء منه بل ليقول له وهبتك قل قبلت. هذا يحتاج إلى كسر نفس.
نسأل الله تعالى أن يحسّن أخلاقنا بجاه النبيّ المصطفى سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم وأن يرزقنا الإحسان، اللهم ءامين.